لنا الآن باختصار أن نعرض بعض الأفكار المطروحة حول صفات الله وأزليتها والرد عليها باختصار ، لكي نكون وفينا جوانب الموضوع من كل اتجاه ...
1 - إن كانت صفات الله تتجه في الأزل إلى الكائنات التي كان في قصده أن يخلقها، فليس هناك تناقض بين اتّصافه بهذه الصفات أزلاً وكون وحدانيته وحدانية مطلقة .
النقد : لو أن صفات الله كانت تتجه في الأزل إلى الكائنات التي كان في قصده أن يخلقها ، لكان وجود هذه الكائنات أمراً ضرورياً لوجود صفات الله ، وهذا خطأ بل باطل تماماً . لأن الله كامل كل الكمال في ذاته وصفاته ، بغضّ النظر عن وجود الكائنات أو عدم وجودها ، فالله أساسا متحرر من الضرورة ، ولا يحتاج لآخر لتتفاعل صفاته ...
2 - ليس من الضروري لإثبات أزلية صفات الله، ضرورة ممارسته لها أزلاً، لأنه ليس من الضروري مثلاً ألا يُدعَى البصير بصيراً ما لم يبصر شيئاً، فقد يكون بصيراً دون أن يكون هناك شيء يبصره ، ولذلك ليس هناك تناقض بين اتصاف الله بالصفات قبل وجود أي كائن سواء، وكون وحدانيته وحدانية مطلقة .
النقد : حقاً قد يكون هناك شخص بصير دون أن يكون هناك شيء يبصره. لكن إذا أدركنا أن الله كامل في ذاته كمال مطلق ، وأنه لذلك لا يتغير أو يتطور أو يكتسب لذاته شيئاً على الإطلاق ، تبيَّن لنا أنه لا يمكن أن صفاته كانت في الأزل عاطلة ، ثم أصبحت بعد ذلك صفات عاملة ، بسبب وجود الكائنات التي خلقها في الزمان .
بل من المؤكد أن صفاته كانت عاملة من تلقاء ذاتها أزلاً لدرجة الكمال الذي لا يمكن أن ندركه ، قبل وجود أي كائن من الكائنات سواه . وهذا يصعب على الإنسان فهمه ، لأن حياته دائماً متعلقة بآخر ، ويمارس كل صفاته مع آخر ، ولا يقدر أن يدرك الكمال المطلق ومدى اتساعه !!!
+ قد يقول قائل إنه لا يُعقل أن صفتي الرحمة والعدل وبعض الصفات الأخرى، كانت بالفعل في الله قبل وجود الناس على الأرض ، لأنه لم يكن لها مجال للعمل قبل وجودهم ، ولذلك فإن اعتبار جميع صفات الله بالفعل أزلاً، لا يتفق مع الحقيقة الواقعة .
والرد : إن الرحمة والعدل وجميع الصفات الأخرى الخاصة بالله ، لا تخرج عن كونها وجوهاً للكمال الذي يتصف به منذ الأزل . فمن البديهي أن تكون هاتان الصفتان وغيرهما من الصفات عاملة في الكمال الذي يتصف به الله منذ الأزل ، أي قبل وجود أي كائن أو الوجود كله .
+ وقد يقول قائل آخر إن الكتاب المقدس يُسنِد إلى الله الغضب ، ولا يُعقَل أن الغضب كان أزلاً ، لأنه لم يكن هناك ما يدعو الله للغضب حينذاك . كما أن الغضب يدل على حدوث تأثر فيه ، والتأثر يقتضي التغيّر، والله لا يتغير !
الرد : إذا نظرنا إلى الله القدوس الواحد المطلق الكمال واقتربنا منه بالروح القدس حسب دعوته لنا بالحب في ملئ الزمان بتجسد الكلمة ، سيتضح لنا أن مبدأ التأثر لا بد وأن يكون موجوداً فيه منذ الأزل (( ولكن مش التأثر الانفعالي مثل البشر )) ، لأنه بسبب وحدانيته الفريدة الغير جامدة كثالوث قدوس متساوي ، ذو جوهر واحد غير منقسم ؛ يكون محباً ومحبوباً ، وعالماً ومعلوماً ، ومتكلماً وسامعاً ، منذ الأزل.
و الغضب المسنَد إليه بسبب قيام الناس بعمل الشر ، لا يُراد به حدوث انفعال فيه ( بل هذه الكلمة تناسبنا أحنا لكي نفهم رفض الله للشر والفساد ) ، بل يُراد به فقط عدم رضائه عن فعل الشر ، وذلك وجه من وجوه الكمال الذي يتصف به أزلاً ، لأن الكمال لا يحب الخير فقط ، بل ويبغض الشر أيضاً . وبما أن كمال الله كان بالفعل أزلاً ، فمن البديهي أن يكون الرفض و البغضه ضد الشر أساس في ذاته منذ الأزل .