سر التجسد الالهى
نحن نحتفل هذه الأيام بأعظم سر فى الوجود
نعم هو سر لأن معرفته وتصديقه قاصرة على المؤمنين باسم ربنا
وهو أيضا سر لأن مخفى فيه بركات لا حصر لها, لا يتمتع بها الا من يطلبها ويشعر باحتياجه لها ويسعى فى سبيل الحصول عليها
هو سر الخلاص,لأن بدونه ما كان الفداء
هو سر الاتحاد بالله
هو سر معرفة الله
هو سر الغلبة
هو سر التجسد الالهى
ولعل أعظم ما كتب عن سر التجسد هو كتاب تجسد الكلمة للقديس العظيم حامى الايمان البابا أثناسيوس الرسولى
لذلك رأيت أن أنقل لكم أجمل التشبيهات التى أوردها هذا القديس العظيم لتبسيط بعض من أهداف سر التجسد الالهى.
أهداف التجسد
1- الفداء:
الذى هو الهدف الأساسى للتجسد.
التشبيه الأول:
"وكما أنه لو دخل ملك عظيم مدينة عظيمة واتخذ اقامته في أحد بيوتها، فان هذه المدينة تتشح بالشرف الرفيع، ولا يعود عدو أو لص ينزل اليها لإخضاعها, بل على العكس تعتبر مستحقة لكل عناية. لأن الملك اتخذ مقره في بيت واحد من بيوتها"كذلك كانت الحال مع ملك الكل.
فإنه إذ أتى الى عالمنا، واتخذ اقامته في جسد واحد بين أترابه فقد بطلت كل مؤامرة العدو ضد الجنس البشري منذ ذلك الحين، وزال عنهم فساد الموت الذي كان سائدا عليهم من قبل لأنه لو لم يكن الرب مخلص الجميع ، ابن الله، قد جاء الينا وحل بيننا ليوفي غاية الموت لكان الجنس البشري قد هلك.
التشبيه الثانى:
إيضاح معقولة الفداء بتشبيه آخر. كيف أزال المسيح عنا هلاكنا, وقدم لنا في تعاليمه الدواء الشافي من سمومه.
"حقا لقد كان هذ1 العمل العظيم متفقا مع وجود الله بشكل عجيب لأنه اذا أسس ملك منزلا أو مدينة وأحدق بها اللصوص بسبب اهمال سكانها ، فانه لا يهملها أو يتغاضى عنها بأي حال, بل يقوم ويهتم وينتقم من العابثين بها لأنها صنعة يديه غير مبال باهمال سكانها، بل بما يليق بذاته" وهكذا الله، كلمة الآب الكلي الصلاح, ولم يهمل الجنس البشري صنعة يديه, ولم يتركه للفساد، بل أبطل الموت بتقديم جسده، وعالج اهمالهم بتعاليمه، ورد بسلطانه كل ما كان للانسان.
إذن فهذا هو السبب الأول الذي من أجله تأنس المخلص . على أننا سنرى أيضا من الأسباب الأخرى التالية أن مجيئه المبارك بيننا كان لابد أن يتم.
2- اعطاء امكانية الغلبة وتجديد الطبيعة البشرية:
لعل من أهداف هذا السر أيضا هو السلطان الذى أعطانيه الله لندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو,ولكى يوضح القديس هذه الحقيقة ابتدأ أولا يوضح تفصيليا حال الانسان بعد سقوطه فى الخطية كما يلى:
" ما هي الفائدة من خلقة الانسان أصلا على صورة الله؟ كان خيرا له لو أنه خلق على صورة البهائم العديمة النطق من أن يخلق عاقلا ناطقا ثم يعيش بعد ذلك كالبهائم
وهل كانت هنالك ضرورة مطلقا أن يعطي الإنسان فكرة عن الله في بداية الأمر؟ لأنه أن كان حتى الآن غير مستعد أن ينالها فكان الأولى لأن لا تعطى له من البداية.
وماذا ينتفع الله الذي خلقهم وكيف يتمجد ان كان البشر الذين خلقهم لا يعبدونه، بل يتوهمون أن بعض الخلائق الأخرى هي التي خلقتهم؟ لأنه بهذا يبرهن الله أنه قد خلقهم لا لنفسه بل للآخرين."
التشبيه الثالث:
" ومرة أخرى نسوق هذا التشبيه : أن أي ملك من ملوك الأرض – وهو مجرد انسان بشري- إذا امتلك بلادا لا يتركها لآخرين لكي تخدمهم، ولا يتنازل عنها لغيره، ولكنه ينذر أهلها برسائله، ثم يتصل بهم بواسطة الأصدقاء مرارا، وإذا اقتضى الأمر يذهب اليهم بشخصه كآخر وسيلة يلجأ اليها لتوبيخهم – كل ذلك لكي لا يخدموا آخرين فيذهب عمله هباء منثورا."
" اذن فما الذي كان ممكنا أن يفعله الله؟ وماذا كان ممكن أن يتم سوى تجديد تلك الخليقة التي كانت في صورة الله وبذلك يستطيع البشر مرة أخرى أن يعرفوه؟ ولكن كيف كان ممكنا أن يتم هذا الا بحضور نفس صورة الله – ربنا يسوع المسيح؟ كان ذلك مستحيلا أن يتم بواسطة البشر لأنهم لم يخلقوا على صورة الله – لهذا أتى كلمة الله بشخصه لكي يستطيع – وهو صورة الآب – أن يجدد خلقة الانسان على مثال تلك الصورة"
" ولذلك كان واثقا بطبيعة الحال أن يأخذ جسدا قابلا للموت حتى اذا ما أباد الموت فيه نهائيا أمكن تجديد البشر الذين خلقوا على صورته. اذن لم يكن كفؤا لهذه الحاجة الا كلمة الآب"
التشبيه الرابع:
"ان فسد الرسم وجبت إعادته من الصورة الأصلية, وهكذا أتى أبن الآب لكي يطلب ويخلص ويجدد الحياة ولم تكن هنالك طريقة أخرى ممكنة , وإن تلطخت الصورة المرسومة على الخشب بالأدران من الخارج وأزيلت، فلابد من حضور صاحب الصورة نفسه ثانية لكي يساعد الرسام على تجديد الصورة على نفس اللوحة الخشبية لأنه اكراما لصورته يعز عليه أن يلقي بتلك اللوحة, وهي مجرد قطعة خشبية بل يجدد عليها الرسم."
3- أخذ ما لنا وأعطانا ما له:
رفع من مستوى الطبيعة البشرية التى انحطت الى أسفل بسبب الخطية
التشبيه الخامس
" وكما أن المعلم الصالح – الذي يعني بتلاميذه- يتنازل الى مستواهم، أن رأى البعض منهم لم يستفيدوا بالعلوم التي تسمو فوق ادراكهم، ويقدم اليهم تعاليم أبسط، هكذا فعل كلمة الله كما يقول بولس أيضا ( إذ كان العالم في حكمة الله لم يعرف بحكمته استحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة (1كو21:1)"
لأنه إذ رأى أن البشر رفضوا التأمل في الله، وانحطت نظراتهم الى أسفل كأنهم قد غاصوا في العمق، باحثين عن الله في الطبيعة وفي عالم الحسيات، ومخترعين لأنفسهم آلهة من البشر القابلين للفناء ومن الجن – لهذا فان مخلص الكل محب، كلمة الله أخذ لنفسه جسدا وكإنسان مشى بين الناس، وقابل احساسات البشر في منتصف الطريق وحتى يستطيع من يتخيلون الله هيوليا أن يدركوا الحق بما يعلنه الرب في جسده، ويدركوا الآب فيه.
هذا كان مقتطفات من التشبيهات التى ساقها القديس البابا أثناسيوس عن بركات سر التجسد الالهى
من كتاب تجسد الكلمة
بركة القديس البابا أثناسيوس وبركة هذا السر العظيم تشملنا
أمين