حديث بين إنسان وفنجان
تأمل في احتمال آلام التمييز والاضطهاد
مبنية على قصة خيالية استمعت إليها ـ بقلم القس / الفريد فائق صموئيل
الإنسان: "زوجتى وأنا معجبان بك ونريد أن نشتريك أنت وطقمك الجميل".
الفنجان: "أنا مرتاح هنا؛ لماذا لا تبحث عن غيري؟"
الإنسان: "لا لن أبحث عن غيرك؛ فقد أطلت البحث مع زوجتي واقتنعنا بك. أريدك أنت ـ أنت جميل وكل الطقم جميل؛ وأريد أن أشتريك بأي ثمن".
الفنجان: "جميل ـ لكن أريدك أن تعرف شيئاً"
الإنسان: "ما هو؟"
الفنجان: "إنني لم أصل أنا وزملائي لهذا الشكل الجميل بهذه السهولة؛ فقد مررت بعدة مراحل صعبة".
الإنسان: " ما هي هذه المراحل؟"
الفنجان: "المرحلة الأولى هي مرحلة الضغط والتشكيل، فقد أتى الفخاري بالطين والماء وخلطني وبدأ بتشكيلي بالضغط الشديد علىّ وشكلنّي على الدولاب ـ عجلة الفخاري ـ وكانت يده قوية، وكنت أتألم من شدة الضغط. ثم حدث أمر آخر أفظع وأشد ألماً".
الإنسان: " ما هو هذا الأمر الأفظع؟"
الفنجان: "لقد وضعني في النار"
الإنسان: "لماذا؟"
الفنجان: "هذه هي المرحلة الثانية ـ مرحلة النار؛ فقد وضعني الفخاري في فرن ساخن جداً يضعون فيه الفخار. وقد سألت الفخاري نفس سؤالك ـ لماذا تضعني في النار الساخنة والمؤلمة؟ ألا يكفيك الضغط علىّ ـ النار صعبة جداً؛ لماذا تضعني فيها؟"
الإنسان: " فماذا قال لك الفخاري؟"
الفنجان: " قال لي الفخاري بأن النار مفيدة لي لكي أتماسك وأصبح صلبًا أتحمّل الماء الساخن فيما بعد. فالذي يتحمل درجة حرارة الفرن التي تُقدّر بمئات الدرجات؛ يمكنه أن يتحمّل درجة الغليان. بل وأكون قادرًا على تحمّل الأيدي التي تمسكني".
الإنسان: "هكذا إذن ـ لكن هل هذا كل شيء؟ ـ ماذا بعد ـ كيف تحولت لهذا الشكل الجميل جدًا؟"
الفنجان: "هذه هي المرحلة الثالثة؛ وفيها جاء الفنان ليُكمل عمل الفخاري ورسم علىّ هذه الرسومات الجميلة وعلى كل فنجان آخر في الطقم. نفس الرسومات وبنفس الروعة".
الإنسان: "إذن أنتم متحدون في الشكل والحجم والجمال".
الفنجان: "نعم؛ وهذا ما يكمل روعتنا ـ لكن هناك أطقم أخرى لها شكل آخر وحجم آخر وجمال آخر؛ فالفخاري والفنان يقومان بعملهما والناس يحبون ما يريدون ويشترون ما يروق لهم. إنهم يشترون الطقم المناسب لهم".
الإنسان: "هذا معناه أن كل شكل مقبول وكل طقم مميز".
الفنجان: "لكن دعني أُكمّل لك ماذا حدث لي ولإخوتي في الطقم بعد الرسم الجميل؟"
الإنسان: " ماذا حدث؟"
الفنجان: "وضعني الفخاري مرة أخرى في الفرن الحراري في نار أشد من الأولى وبدرجة أعلى. إنها نار شديدة جدًا جدًا ـ وتألمت جدًا جدًا. وكان هذا أمر مفاجيء لي، لأني توقعت أن الموضوع قد انتهى بعد الرسم. وكانت هذه هي المرحلة الرابعة والأخيرة".
الإنسان: " لكن؛ لماذا كانت مفاجأة؟"
الفنجان: " لأني اعتقدت أن الرسم كان جميلا وسيجف في الهواء. لكن قال لي الفخاري أن هذه النار الثانية مفيدة لتجفيف الرسم وثباته".
الإنسان: " يالها من آلام!! هل كان الأمر يستحق أنك تمر بكل هذه الالآم؟"
الفنجان: " نعم والدليل أنك تريد أن تشتريني بأي ثمن".
الإنسان: " صحيح ـ ويا ليتنا نحن البشر نتعلّم ذلك منك ـ إن كل شيء جميل لا يكون هكذا إلا بعد تعب ومشقة وألم".
الفنجان: "إذن يا معشر البشر؛ لا تخافوا من آلام وأتعاب ومشقات التمييز والتعصب والاضطهاد والتجارب الصعبة؛ إنها جميعها نار تقوّي وتُجمّل وتُثبت؛ فلا تخافوا. فإن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا. وخفة ضيقتنا الوقتية تُنشيء لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدي".