في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بدأ المسيحيون يتركون المدينة القديمة ويتجهون للسكن في أحياء جديدة خارج سور المدينة القديمة، ويتوضعون في حي الكتاب( ضاحية مدينة حلب الغربية في ذلك الزمان)، حيث بنى الآباء الفرنسيسكان عام 1849 كنيسة على اسم القديس أنطونيوس البادوي.
في الفترة ذاتها منحت بلدية حلب الطوائف المسيحية أرضاً واسعة في محلة" الشيخ مقصود"، وخُصّت كل طائفة بجزءٍ منها، وذلك لتصبح مقابر جديدة للمسيحيين، وعليه شرع المسيحيون بنقل رفات أمواتهم من المقابر القديمة التي كانت ما يُعرف اليوم بحي " العزيزية" إلى المحلّة الجديدة، حيث مقابر الطوائف المسيحية حالياً.
مكان المقابر، شرع المسيحيون ببناء الدور العربية والانتقال إليها من المدينة القديمة.
أواخر القرن التاسع عشر وتحديداً بين عامي 1889 و 1890، بنى الآباء الفرنسيسكان مكان مقبرتهم( اليوم كاتدرائية اللاتين وأمامها بناية وقف اللاتين)، صالتين، الأولى ينزل إليها بخمس درجات، وجُعلت مشغلاً للأشغال اليدوية من تطريز وخياطة ثياب ولعب للأطفال " أرتيزانا Artisanat)، تباع منتجاتها إلى الطبقة الميسورة، ويوزع دخلها على الأسر الضعيفة الدخل والعاملات في المشغل، اللواتي كُنَّ من هذه الطبقة الأخيرة، أما الصالة العليا فخصصت لتعليم أولاد أحياء المنطقة والمناطق المجاورة( الجديدة- الهزّازة- حارة أبو عجّور- زقاق الأربعين- حارة الشعشع- التدريبة- ساحة التنانير- قسطل المشط- قسطل الجورة...)، التعليم المسيحي وسميت" مدرسة الأحد"، وكان من أشهر مرشديها الأب" ألبيرتو غوري Alberto Gori" رئيس الآباء الفرنسيسكان في كنيسة ومدرسة الشيباني من المدينة القديمة( الذي أصبح بعدئذٍ رئيساً لحراسة الأرض المقدسة ثم بطريركاً على مدينة القدس، وكانت رئيستها الأولى الآنسة المستشرقة" لويزا جيوزيفي بورغول Louisa Jiosephe Bourgaule"، وهي ابنة الإيطالي الجنسية" جيوزيفي بورغول Jiosephe Bourgaule"، ولد في ميلانو، كان عالماً وتاجراً بالأنتيكات واللوحات، ترك حلب إلى مسقط رأسه مدينة ميلانو- إيطاليا عام 1903 حين نشبت الحرب بين الدولة العثمانية والامبراطورية الروسية القيصرية، وكان قد أقام في مدينة( اسطنبول) مدة ثلاث سنوات قبل مجيئه مدينة حلب حيث سكن" حي الكتاب"، ولقد تزوجت ابنته الآنسة لويزا من السيد" جورجي يوسف لبّاد Georgi Youssef Labbad"، وانتقلت إلى دار زوجها في حي" تراب الغرباء" جانب كنيسة ومدرسة الآباء اليسوعيين الأفاضل.
كان التعليم في" مدرسة الأحد" يسير على الشكل التالي: يقسم الأولاد إلى فئات أربع حسب أعمارهم، ويُشرع بتعليمهم حسب التدرج: ( إشارة الصليب- الأبانا- السلام الملائكي- وصايا الله العشر- وصايا الكنيسة- أفعال الإيمان والمحبة والرجاء- وأخيراً قانون الإيمان النيقاوي) مع دروس عن الديانة المسيحية وحياة السيد المسيح، ومن كان يختم ما تقدم من الصلوات يُبدأ بتحضيره للمناولة الأولى.
عام 1891 سلّم الآباء الفرنسيسكان" مدرسة الأحد" إلى الطوائف الكاثوليكية، حيث انتقلت إلى مقرها الجديد في حي" جبل النهر" وسُمّيت" جمعية التعلبم المسيحي الكاثوليكية". كان الأساتذة من طلاب القسم الثانوي لمدرسة" الشيباني للآباء الفرنسيسكان".
الآن جميع ما ذكرنا رحل عن هذه الفانية إلى دار الخلود، وهم من علياء سمائهم أمام العزّة الإلهية يتضرعون إلى الباري تعالى أن يبارك جميع العاملين حاضراً في هذه الجمعية العزيزة على قلوبنا.
جمعية التعليم المسيحي حالياً شرعت ببناء مقرها الجديد مكان القديم" حي جبل النهر" حسب مخططات حديثة وجميلة، وإلى حين انتهاء البناء، تجتمع اليوم في صالة كنيسة سيدة السلام – النادي الكاثوليكي سابقاً - العزيزية .