ناك علاقة جدلية مابين المسرح والجمهور، فلا يمكن الفصل مابين طرفي هذه المعادلة فجمهورً من دون مسرح هو جمهور يفتقر إلى واجبه في استرجاع شريط تاريخه وإعادة النظر في أعماله ومراجعة نشاطاته وأنماط حياته وقيمه ومعاييره ومحاسبة نفسه. كما أن جمهوراً من دون مسرح يفتقر إلى لحظات من المتعة والزخم الجمالي والشعور المكثف بالمعنى. فالمسرح الجيد ينتزع الناس من عبثية الأشياء وعدم ترابطها المرئي ويخلق إطاراً وجدانياً تُترتّب من خلاله صور الماضي والحاضر والمستقبل. هكذا يتم إدخال تاريخ المجتمعات في هيكلية المعنى التي من شأنها تحويل حياة الناس إلى قصة مجسّدة وبالتالي
فالنشاط المسرحي هو عملية إحضار وإثراء للذات الفردية والجماعية على حد سواء. اما مسرح من دون جمهور فهو غير موجود أساساً وبالتالي فإن الجمهور بالنسبة للمسرح هو شرط لا يمكن الاستغناء عنه. من هنا أيضاً وجب الاستنتاج بأن المسرح والعاملين فيه بحاجة إلى جمهور كشرط ملزم لوجودهم، أما الجمهور فلا يحتاج إلى مسرح كشرط ملزم لوجوده هو. انطلاقاً من هذا التشخيص الأساسي الجوهري البسيط والواضح تأتي الفرضية الأساسية الأولى وهي أن عملية بناء الجسور مع الجمهور تقع أولاً وآخيراً على عاتق المسرح. وعملية بناء الجسور تبدأ بتنمية حب الجمهور للظاهرة المسرحية وشغفه بها وجذبه إليها وبناء ثقة ومصداقية في أوساطها كمرحلة أولى ثم تنمية الذائقة الفنية كمرحلة ثانية وصولاً إلى جمهور مسرحي يتطلع إلى المسرح كحاجة وليس ككماليات... كمرحلة ثالثة. بعبور هذه المراحل الثلاث قد يصل الجمهور إلى مطالبة المسرح بمزيد من التطور على اعتبار أن الظاهرة المسرحية أصبحت جزءاً أساسياً من كيان الجمهور الثقافي ومن قوته الروحي اليومي. هكذا تبدأ جدلية التطور. تطور المسرح بجمهوره وتطور الجمهور بمسارحه. مسرحنا المحلي، في كثير من جوانبه، لم يتجاوز بعد مرحلته الأولى. ومن أجل تنمية حب الجمهور للظاهرة المسرحية وجب أخذ النقاط الآتي ذكرها بعين الاعتبار:
* الاهتمام بادئ ذي بدء بالنص الذي يحاكي هموم الفرد والجماعة، فالمسرح هو نتاج الثقافة التي ينشأ فيها وهو وليد الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تميّز كل حقبة وحقبة من حياة الجماعة. إنّ تطوير النص المحلي وتجسيده على الخشبة هما بمثابة تذكرة الدخول إلى قلب ووجدان الناس وبالتالي شرط حصول المسرح على مصداقية عالية وشرعية من دون تساؤلات.
*الاهتمام بمهنية العمل الإبداعي، في الكتابة والإخراج والتمثيل والديكور والإضاءة والحركة والصوت، وذلك انطلاقاً من احترام المسرح لجمهوره ولنفسه.
*سعي المسرح للوصول إلى الجمهور - كل الجمهور - وذلك بأقل تكلفة ممكنة.
*اعتناق فكرة المسرح كظاهرة شعبية لا نخبوية.
*الاهتمام بنشاطات مسرحية للأطفال في المدارس، عروضاً وممارسةً وتعلماً وتثقيفاً، وذلك كجزء أساسي من نشاط المدرسة.
*الاهتمام بمسارح للكبار على أن يصل نتاجها إلى كل قرية ومدينة.
منقووووول