عزف الأوتار
"هوذا للسلامة قد تحولت لي المرارة، وأنت تعلقت بنفسي من وهدة الهلاك" (إش 38: 17 )
لقد انفتحت على حزقيا جبهتان في آن واحد، الأولى خارجية متمثلة في تهديدات ملك أشور، والثانية داخل القصر الملكي وهو مرض حزقيا للموت. على أن ذراع الرب تعمل باقتدار في كل الجبهات في آنٍ واحد، فله القدرة على إصابة عدة أهداف بسهم واحد.
فعندما صلى حزقيا لأجل نفسه، استجاب له الرب بإضافة خمس عشرة سنة، على أن صلاة حزقيا لم تكن لتغير مخطط إله داود صاحب الوعد الذي لا يتغير بأن يقيم من نسل داود مَنْ يجلس على عرش إسرائيل إلى الأبد (1أخ 17: 11 -14) . فقد كان حزقيا امتداداً لنسل داود الملكي، وإلى وقت مرضه لم يكن له ولد، وعليه ما كان يمكن قطع النسل الملكي الداودى بموت حزقيا (1أخ 17: 11 -10) وإذاً فصلاة حزقيا كانت متوافقة مع مشيئة الله، والصلاة المؤسسة على الفهم الصحيح لكلمة الله وتتميم مشيئته، يستجيبها الله.
أما حزقيا فقد اختبر ثلاثة أمور عظيمة في الله من نحوه هو شخصياً؛ فقد اختبر محبة الله التي حفظته من وهدة الهلاك، ففي مرضه كشف الرب سرائر القلب الدفينة، فأقرّ بخطاياه قائلاً: وأنت تعلقت بنفسي "أي حفظتني بحبك" لأنك طرحت وراء ظهرك كل خطاياي فلم أمُت. فيا لروعة المحبة التي تقود النفس لا إلى اليأس والفشل من خطاياها، بل إلى النعمة الغافرة.
كما أنه اختبر أمانة الرب "الآب يعرِّف البنين حقك" - تلك الأمانة التي تتجاوب مع دموع المساكين وتأبى أن تتخلى عنهم في أزمنة الضيق.
كما أنه اختبر قدرة الرب لخلاصه "الرب لخلاصي".
ونحن بدورنا عندما نختبر قوة محبته لنفوسنا وأمانته المطلقة بالرغم من عيوبنا، وقدرته المخلصة في شدائدنا، عندئذ تتوفر لدينا مادة جديدة للشكر والترنم، وشهادة لاسمه العظيم المخوف.
لذلك ختم حزقيا هذه التدريبات المباركة بالقول "فنعزف بأوتارنا كل أيام حياتنا". لقد بدأت هذه التدريبات بدموع كالأنهار، وانتهت بعزف على الأوتار. فيا لها من تدريبات مسَّت أوتار القلب فتصاعدت منها أحلى النغمات تشدو بأعذب الكلمات عن محبته وأمانته وخلاصه.