السيد المسيح لم يسمح ليهوذا التلميذ الخائن أن يتناول من جسده ودمه الأقدسين، لأن السيد المسيح كان يعلم بخيانته، وما أضمر في قلبه بكل تصميم أن يفعله.
إنجيل القديس متى
يقول معلمنا متى الإنجيلي : "ففعل التلاميذ كما أمرهم يسوع وأعدوا الفصح. ولما كان المساء إتكأ مع الإثنى عشر. وفيما هم يأكلون قال الحق أقول لكم أن واحداً منكم يسلمني. فحزنوا جداً وإبتدأ كل واحد منهم يقول له هل أنا هو يارب؟ فأجاب وقال الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني. إن إبن الإنسان ماضٍ كما هو مكتوب عنه. ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلّم إبن الإنسان. كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد. فأجاب يهوذا مسلّمه وقال هل أنا هو يا سيدى؟ قال له أنت قلت" (مت26: 19-25).
يتضح من هذا الفصل من الإنجيل أن السيد المسيح قد أعلن خيانة أحد التلاميذ له (الذي هو يهوذا) أثناء أكل الفصح الخاص بالعهد القديم بدليل قول السيد "الزى يغمس يده معي في الصحفة" وقول الإنجيل "وفيما هم يأكلون" ويقصد بذلك الفصح الذي أعدوه.
ولم يشأ السيد المسيح أن يفضح يهوذا علانية أمام زملاؤه من الرسل ولكنه قال ليهوذا أنه هو الذي يسلمه، كما أنه أنبأ يوحنا وبطرس الرسولين بطريقة خفية عندما سأله يوحنا الرسول عن هذا الأمر
أورد القديس يوحنا كلام السيد المسيح عن التناول من جسده ودمه في الإصحاح السادس أي في بداية إنجيله أثناء حوار السيد المسيح مع اليهود بعد معجزة إشباع الجموع من الخبز والسمك.
وقتها قال السيد المسيح لليهود. "أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطى هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" (يو6: 51).
الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه
يتضح من سرد القديس يوحنا – وهو ما يتفق تماماً مع سرد إنجيل متى وإنجيل مرقس- إن السيد المسيح قد تكلّم عن خيانة يهوذا أثناء أكل الفصح اليهودي، بدليل أنه غمس اللقمة وأعطاها ليهوذا وهو ما يختلف عن تناول الجسد والدم الذي أعطاه لهم كلٍ على حده. ولم يغمس الجسد في الدم بل قال "خذوا كلوا هذا هو جسدي، خذوا اشربوا هذا هو دمى... وقد أعطاهم الدم في الكأس قائلاً "اشربوا منها كلكم" (مت26: 27). ولم يغمس الجسد في الدم إطلاقاً... وأوضح القديس يوحنا أن يهوذا بمجرد أن أخذ لقمة الفصح اليهودي المغموسة في المرق "خرج للوقت" أي أنه لم يبق إلى إقامة العشاء الرباني. بل لما خرج قال يسوع "الآن تمجّد ابن الإنسان" أي أن السيد المسيح في تلك اللحظة قد دخل في دائرة الموت بإرادته حينما قَبِل أن يذهب يهوذا إلى المتآمرين على تسليمه.
ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة
كان السيد يحاول أن يثنى يهوذا عن الخيانة إشفاقاً عليه، ولكنه فى نفس الوقت كان ينتظر توبته وعدوله، وقام مراراً بتحذيره حتى أنه أظهر له معرفته بأنه هو الذي سيسلمه. ولكن يهوذا حينما أخذ اللقمة ولم يرجع عن قصده الشرير دخله الشيطان لأنه رفض نصيحة السيد وتحذيره وبعدها قال له السيد المسيح "ما أنت تعمله فإعمله بأكثر سرعة" (يو13: 27).
أي إن كنت مصمماً على الخيانة فلا تبق هنا على المائدة التي لن يتناول منها إلا الطاهرون الذين إغتسلوا بالتوبة.وإن كنت تنوى أن تتوب فليكن ذلك بسرعة قبل إقامة العشاء الرباني الذي كان الوقت قد حان لبدايته. وبالفعل خرج يهوذا مسرعاً منقاداً بفعل الشيطان الذي ملك على قلب
علاقة يهوذا بالشيطان
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي عمل الشيطان في قلب يهوذا، بل يقول القديس يوحنا الإنجيلي في بداية حديثه عن العشاء الأخير، وعن غسل أرجل التلاميذ "وأما يسوع قبل عيد الفصح وهو عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى. فحين كان العشاء وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا سمعان الإسخريوطى أن يسلمه.
يسوع وهو عالم أن الآب قد دفع كل شئ إلى يديه وأنه من عند الله خرج وإلى الله يمضى. قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة وإتزر بها..." (يو13: 1-4).
فمن الواضح هنا أن الشيطان كان يعمل بسلطان عجيب في قلب يهوذا، حتى أنه لم يتأثر بغسل السيد المسيح لرجليه بإتضاع لا يوصف.