مريم أو بحر المر
وكانت واقفات عند صليب يسوع: أمه... (يو19: 25)
من بين النساء الأربع اللائى كن عند الصليب كانت ثلاثة منهن باسم مريم. ويُقال إن مريم بالعبري هي كلمة من مقطعين: المقطع الأول بمعنى مُر، والمقطع الثاني « يم » بمعنى بحر. فمريم تعني، كما يرى البعض، « بحر المر ». وهؤلاء المريمات كن يتجرعن المرار والعلقم في أفظع صوره، إلا أن المرار الذي كانت فيه أم يسوع كان أشد أنواع المرار، وذلك لأربعة أسباب:
أولاً: إنَّ أي أم ترجو أن ابنها هو الذي يواريها التراب. لكن أية كلمات تصف لنا حزن أم الرب وهي تنظر إلى ابنها يموت مُعلَّقاً على صليب! إن يسوع لم يكن مجرّدَ ابنٍ وفيّ، بل كان هو كمال الكمال في كل شيء. وتلك التي كانت تفخر بأنها أمه، كيف لا يخترق السيف أحشاءها (لو2: 35) وهي تراه يموت أمام عينيها؟
ثانياً: لقد كانت أمه، قبل أي شخص آخر، تعرف حقيقة أصله ومقدار عظمته، طبقاً لما قاله لها الملاك جبرائيل يوم أن بشّرها بولادته. أمّا الآن فلها أن تتساءَل بقلبها الكئيب، وهي تشاهد شمسه تغيب: أين تلك العظمة المُتنبَأ عنها؟ وأين ذلك العرش وذلك الملكوت؟ أ يكون الملاك قد خدعها؟ لقد زاد من قسوة الحزن على موت ابن بار، أنها كانت تحت وقع أمل ينهار، والجُرح عميق، والسيف بتّار!
ثالثاً: لكن حُزن قلبها المكلوم قد تضاعف لأنه كان يموت ميتةً كهذه. يموت مصلوباً على خشبة، أي يموت موت اللعنة، ويُحصَى مع أثمة. ويُعيَّر من القادة والعامة بأشنع العبارات في مسمعه ومسمعها أيضاً.
وأما رابعاً: فهي تراه يموت وتعجز عن مواساته!
إن المطوّبة مريم على مثال ابنها البار، هي أيضاً مُختبرة الحَزَن. ومع أنها كانت تُعاني هذا الشَجَن المُذيب، فمع هذا لا نراها في حُزن هستيري ولا في نوبات تشنّج: لا نقرأ عن لطماتها ولا عن صرخاتها، ولا نقرأ أنها كانت منهارة، بل كانت تعاني حزن روحها العميق في صمت!
ماذا لو كانت هربت لكي لا ترى هذا المنظر؟ ماذا لو سقطت مغشيّاً عليها؟ يقيناً كنا سنلتمس لها المعاذير والأسباب القوية. لكنها إذ رأت أنها لا تستطيع أن تخفف من آلامه، فإنها على الأقل لا تزيدها إذا رآها منهارة، لذا نقرأ أنها كانت واقفة!