العظيمين مكسيموس ودوماديوس على الرغم من انهم ليسوا شهداء لكن الكنيسة تعتبرهم اكثر من شهداء ففى مجمع القداس يذكر اسمائهم قبل الشهداء (49 شهيدا شيوخ شيهيت) لانهم وصلوا لأعلى المراتب الروحية على الأرض .
شابان صغيرا السن أدركا غنى الملكوت وعشقا شخص السيد المسيح، فتركا عظمة المُلك والجاه ووفرة الغنى والكرامة وعمدا إلى سكنى البراري والقفار.
انفتاح قلبيهما على السماء حوَّل القفر إلى فردوس، وسلكا بسيرة ملائكية أدهشت القديس مقاريوس الذي كان يستصحب بعض زائريه إلى مغارتهما، ويقول لهم: "هلموا نعاين مكان شهادة الغرباء الصغار". كان يحسبهما شهيدين بدون سفك دم.
نشأتهما
نشأ مكسيموس ودوماديوس بين جدران القصر الملكى لأبيهما فالنتيانوس القيصر الروماني (364-375) رجلاً خائف الرب وناصرًا للمسيحية وقد لقب بقسطنطين الجديد ، ربَّى ولديه وأختهما الصغيرة ثيؤدورا في مخافة الرب.
ويبدو ان الملك كان متيقنا من ان الملك سيزول وانه يوما ما سيكون فى مواجهه مع الله هو واسرته ومن هنا راى ان الحاجه ماسه وملحه الى تلقينهما التعليم والتسليم ان الله هو أولا ودائما...وقد كلفه ذلك كثيرا كما سنرى .........
وتستطيع ان تتخيل القصر الملكى وهو يكاد لا يخلو من الرهبان .ومما لا شك فيه ان مكسيموس ودوماديوس قد سمعا كثيرا من اولئك الرهبان الذين كانوا يزورونهم على الدوام عن قديسى الرهبنة فى الشام ومصر وعن نسكهم وجهادهم وفضائلهم وهكذا استهوت مكسيموس ودوماديوس تلك الحياه وراحا يجمعان عنها ما شاءا من أخبار .
خطوة حاسمة فى حياتهم
تستطيع ان تقول ان مكسيموس لم يكن قد تجاوز السادسة عشر من عمره عندما ترك القصر الملكى وكان اخاه غالبا يصغره بسنتين يعنى كان فى الرابعة عشر من عمره " من فضلك تأمل وانت تقرأ هل تدرك كيف ان اولاد الأمبراطور يتركوا القصر وهم فى هذا السن لآجل المسيح؟ كيف حصلوا على تلك الجراة لتنفيذ تلك الخطوة الصعبة جدا ؟ انى اتعجب كيف كان فكرهما متجها الى المغائر حيث التعب والغربة فى ذات السن الذى ينصب فيه كل اهتمام امثالهم عادة الى المرح والاكل واللهو والنوم الهانئ والاحلام السعيدة ودلال الامراء...!!! "
فلما وصل مكسيموس ودوماديوس الى التهاب القلب بحب السيد المسيح كليا واشتاقا إلى حياة الرهبنة. طلبا من أبيهما أن يسمح لهما بالذهاب إلى مدينة نيقية ليُصليا في مكان اجتماع المجمع المقدس المسكوني الأول الذي انعقد سنة 325م. فرح أبوهما وأرسل معهما حاشية من الجند والخدم كعادة أولاد الملوك. ولما وصلا أمرا الجند أن يرجعوا إلى أبيهما ويقولوا له أنهما يريدان أن يمكثا هناك أيامًا. ثم كشفا أفكارهما لأحد الرهبان القديسين يُدعى يوحنا فشجعهما، ولما طلبا أن يبقيا معه اعتذر خوفًا من أبيهما وأوصاهما بالسفر إلى سوريا ليتتلمذا على يديّ القديس المتوحد الأنبا أغابيوس وهو طرسوسي من كيليكية، وكان ذا شهرة كبيرة.
رهبنتهما
توجها إلى الأنبا أغابيوس فقبلهما وقد أعطاهما الله نعمة فى عيني الأنبا أغابيوس فألبسهما إسكيم الرهبنة وتتلمذا على يديه فى كل شئ لمدة سته سنوات وكانا قد سكنا معا فى قلاية واحدة لأنهم قد تعهدا ان يجاهدا معا فى قلاية واحدة . ولما قرب زمان نياحته سألاه ماذا يفعلان بعده. أما هو فقال لهما: "رأيت نفسي في هذه الليلة واقفًا علي صخرة جنوب مسكننا، ورأيت راهبًا واقفًا أمامي وعلي رأسه غطاء عليه صلبان. وكان في يده عصا من جريد وصليب. لما رأيته خفت، ولكنه اقترب مني وسلّم عليّ، وقال لي: "هل تعرفني؟" قفلت له: "لا يا أبي القديس". قال لي: "أنا مقاريوس المصري أتيت لأدعو أولادك لآخذهم إلى مصر". فقلت له: "ألا تأخذني معهم أيضًا يا أبي؟" فقال لي: "لا، ولكني أعلمك أنك بعد ثلاثة أيام ستتنيح وتذهب إلى السيد المسيح. وسيرسل الملك رُسلا وراء ولديه ليأخذهما إلى القسطنطينية، فاحذر ذلك وأمًرهما أن ينزلا إلى مصر ليسكنا بالقرب مني. لأن السيد المسيح قد عينهما لي أولادًا، وها أنا قلت لك". ولما قال ذلك اختفي عنيِ". ثم قال لهما: "إنني كنت اشتهي أن أنظر هذا القديس بالجسد ولكنني قد رأيته بالروح، فبعد نياحتي امضيا
إليه بسلام".
وقد أنعم الله عليهما بنعمة شفاء المرضى، وشاع ذكرهما في تلك البلاد خصوصًا بين التجار والمسافرين، وتعلّما صناعة قلوع المراكب فكانا يقتاتان بثمن ما يبيعانه ويتصدقان على الفقراء والمساكين بما يفضل عنهما.
لقاء والدتهما والأميرة أختهما بالقديسين
في إحدى المرات كان نائب الملك في الميناء مع الجند يفتش السفن الداخلة، فلاحظ اسميّ القدّيسين على إحدى السفن. استفسر من صاحب المركب عن سبب ذلك. فقال له: "هذان اسمان لأخوين راهبين كتبتهما على قلع مركبي تبَرُّكا لكي يُنجّي الله تجارتي". ثم بيّن له أوصافهما بقوله أن أحدهما قد تكاملت لحيته والآخر لم يلتحِِ بعد، فعرفهما، وأخذ الرجل وأحضره أمام الملك ثيؤدوسيوس الذي كان رئيسا لجنود الملك فالنتينوس، وتعين ملكًا بعد وفاته.
قدم الملك ثلاث قطع ذهبية لكل بحار. وصرفهم بسلام. ثم أرسل مندوبًا من قبله اسمه ماركيلوس إلى سوريا ليتأكد من الخبر قبل إذاعته في القصر. وبعد بضعة أيام عاد المندوب مؤكدًا الخبر، وكان فرح عظيم في القصر. ذهبت إليهما والدتهما والأميرة أختهما، فلما تقابلتا بالقديسين وتعرفت عليهما بكتا كثيرًا جدًا، ورغبت أمهما أن يعودا معها فلم يقبلا، وطيّبا قلب والدتهما وأختهما.
ترشيح القديس مكسيموس بطريركًا للقسطنطينية
بعد ذلك بقليل تنيّح بطريرك القسطنطينية فاتجهت الأنظار إلى القديس مكسيموس ليخلفه ورحّب الملك ثيؤدوسيوس بذلك، وأرسل نائبه ومعه بعض الجنود لاستدعائه، كما كتب إلى والي سوريا بذلك.
تسرّب الخبر إلى الأخوين عن طريق زوجة الوالي التي كانت تحبهما كقديسين. ولما علما بذلك هربا واختفيا عند راعي غنم أيامًا كثيرة، ثم غيّرا ثيابهما ولبسا ثيابًا مدنية وتنكّرا حتى لا ينكشف أمرهما وصلّيا طالبين مشورة الله للوصول للأنبا مقاريوس." طوباكم يا قديسى المسيح لقد هربتم من المناصب الأرضية وأيضا من المناصب الكنسية لأجل السيد والفادى لابد وان الرب سيعوضكم أضعافا فى ملكوته لأنكم تركتم كل شئ وتبعتوه مثل الأباء الرسل .... يابختكم "
لقاؤهما مع أنبا مقاريوس
سارا نحو تسعة أيام حتى أعياهما التعب وهما يسيران على شاطئ البحر وقد تكبدا الآما غير عادية فى هذه الرحلة حتى انهما فى بعض الأحيان كانا يسيران على أيديهما وأرجلهما فوق بعض الصخور الوعرة " من فضلك تأمل عند تلك النقطة واسألهم كده : لماذا كل هذا التعب والجهاد يا اولاد الامبراطور كان يمكن لكم ان تتدخلوا الملكوت وانتم ملوك ايضا مثل اباكم البار وايضا مثل الملك البار قسطنطين؟ واعجب كيف يهون على اميرين اعتادا النوم فى قصرهما ويحيط بهما الحراس من كل جانب أن يبيتا فى العراء وان يدخلا فى مواجهه مع الوحوش !!! .. وكيف بعد ان كان الحرير يحيط بهما دائما ..اصبحت اقدامهما تتقرح من الأشواك واسنان الصخور !! كيف تتركون بلادكم وامبراطوريتكم وتتغربون فى بلاد لا تعرفون عنها شئ !!! بلاشك انها محبتهما للملك المسيح التى هونت عليهما الغربة والألم والعوز وجعلتهما يفرحان بالتعب ... ولكن هل محبتك الحقيقية يا الهى تفعل ذلك ؟؟ ان كانت هذه هى نتيجة محبتك فانا حتى الان لست اعرف عن حبك أوعن محبتك اى شئ !! " .
وفى اليوم التاسع بلغ التعب مبلغا عظيما فاستلقيا تحت ظل شجرة عظيمة نحو خمسة ايام متتالية وهما لا يستطيعان الحراك من شدة الآلام فافتقدهما الرب برحمته وفجأة وجدا نفسيهما في شيهيت حيث القديس مقاريوس وعَرَّفاه أنهما يريدان السُكنى عنده. ولما رآهما من أبناء النعمة ظن أنهما لا يستطيعان الإقامة في البرية لشظف العيشة فيها. فأجاباه قائلين: "إن كنّا لا نقدر يا أبانا فإننا نمضي إلى موضع آخر". عاونهما في بناء مغارة لهما ثم علَّمهما ضفر الخوص، وعرّفهما بمن يبيع لهما عمل أيديهما ويأتيهما بالخبز.
أقاما على هذه الحال ثلاث سنوات لم يجتمعا بأحد سوى أنهما كانا يدخلان الكنيسة لتناول الأسرار الإلهية وهما صامتين. فتعجب القديس مقاريوس لانقطاعهما عنه كل هذه المدة وصلى طالبًا من الله أن يكشف له أمرهما وصام لمدة أسبوع لأجل ذلك الموضوع وبعد انتهاء الأسبوع، جاء إلى مغارتهما حيث بات تلك الليلة. وقد تظاهر الانبا مقار بالنوم بينما تحرك قلبه بالطلبة الى الله ان يكشف له امرهما فاذا به بعد قليل وقد ظهر فجأه ضوء شديد فى القلاية واما هما فلما تأكدا انه نائم نبه احدهما الاخر فقاما وتمنطقا وبسطا ايديهما نحو العلاء يصليان ثم ابصر الانبا مقار الشياطين حول القديس دوماديوس مثل الذباب، وملاك الرب يطردهم عنه بسيفٍ من نار واما الأخ الأكبر فلم يقدروا على الأقتراب منه وكان ذلك تدبيرهما كل ليلة.
فلما لاح الفجر استلقيا نائمين وحينئذ تظاهر البار مقاريوس بأنه استيقظ لتوه ..كذلك تظاهرا هما ايضا فقال القديس مكسيموس له : " اتحب ان نصلى معا صلاة باكر؟ " فقال نعم
فأبتدا الاخ الاصغر يصلى الخمس مزامير الاولى فلاحظ الانبا مقاريوس انه مع كل كلمه يقولها كان يخرج من فمه شهاب نار يصعد الى السماء
كذلك الاخ الكبير عندما جاء دوره فى الصلاه كان الكلام الخارج من فمه مثل جبل نار صاعدة نحو السماء
وبعد الصلاه هم بالانصراف قائلاً: "صلّيا لأجلى"، فضربا له مطانية وهما صامتين.
" هل تأملت فى تلك النقطة ! ارأيت قوة الصلاه التى وصلوا اليها.. انها صلوات نارية بالفعل ؟ هل لديك شك ان هذه الصلوات يمكن ان تنقل الجبال بل وتنقل بلاد من مكانها؟ اذا كنت تزعم ان لك علاقه مع الله فهل صلواتك وصلت مع الله الى هذا الحد ؟ انا لا اسالك لكى اعطيك يأس.. بالعكس ولكن لكى اعطيك الحماس لكى تجاهد مع الله الذى مازال يعطينا النفس حتى الأن لا لكى نأكل ونشرب ونعمل ونستمتع بالحياه بل لكى نجاهد من أجل الحياه الباقية التى لا تزول ابدا "
نصائحهما