من يكشف لنا عن وجه الغفران ؛ فنلمسه بالقلب ، ونعرف حقيقته ؟!..
من ينحته ، ويشكّله ، ويشخّصه ، وعندما نراه ، ندرك أننا نصغى إلى روح الله ؟!..
.. سوى ذلك النحّات الأعظم.
الذى بإرادته الابوية ،
يعمل بطيف واسع من التحنن ، و الرحمة ، والنعمة ...
يكشف عن أعماق الحجر .
يخرج قلوباً سجنت فى الصخر .
ويظل يصارع نتوءاتها الجارحة للمشاعر إلى ان تخرج للنور ناطقة بالحياة السويّة !
سافرت عبر التاريخ الذى فوق الموت ،
صعدت بالروح إلى قمة جبل الجلجثة حيث مذبح الفداء ،
وحيث ذروة الصفح والتسامح..
.. وهناك :
رأيت لصاً ، يشارك زميله : الملاسنة ، والتجديف...
ورأيت السيد الملك على الخشبة الملعونة ،
كحمل لا يفتح فاه أمام صالبيه ،
وأمام المستهزئين به .
ينزف فى حبه كثيراً ،
ويعانى آلام الخلاص كثيفة مكثفة .
ويا للمجد المفاجىء ..
حين رفع عينيه نحو السماء ، قائلاً :
" يا أبتاه اغفر لهم " ! ..
فاذا بقوة صلاته العظيمة لأجل اعدائه ،
تخطف عاطفة السارق ..
فيوبّخ: يسطاس ..
- رفيقه فى القصاص -
ويتوقف عن التجاوب معه فى كل شتائمه .
وينطق بصوت الاعتراف ، والتوبة ، والانسحاق :
" اننا ننال اليوم نتيجة جرائمنا ، أما هذا فلم يفعل شيئاً ليس فى محله " ..
ويجذب كل أنفاسه ،
ويهتف فى ضراعة نحو السيد من عمق قلبه :
" اذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك " ! ..
فيرفع السيد هامته المكللة بالشوك ،
ويبتسم تبسماً سماوياً ،
ويهمس له ، قائلا :
" الحق اقول لك انك اليوم تكون معى فى الفردوس " !
أبرقت تقاطيع وجه ديماس بالفرح والسرور ،
وتجددت فيه قوة الاحتمال والصبر .
لقد اقتنى طبيعة علوية ..
وعبر الدينونة بعدما صلب انسانه العتيق مع الرب ،
وجاز معمودية الموت معه بالحق ،
و تمت فيه خطة الخلاص .
كما في أولئك الذين رفعت من اجلهم تلك الشفاعة الكفارية بالدم ..
لم يدفع اللص التائب ثمن غفرانه من الله ..
فماذا يمتلك معلق على الصليب يحتضر؟!
ولم يكن عن أعمال صالحة ..
فأنفاسه الأخيرة لم تعطه عمراً ، ليقدمها .
ولم يكتسبه لانتماء طائفي ،
ولممارسته لطقوس دينية ...
فلم تمنحه سكرات الموت الفرصة للترجل عن الصليب ، ليمارسها .
لقد حصل على الغفران الالهى ..
بالإيمان ..
.. كمنحة مجانية .
.. وكعمل محبة .
وهذا هو وجه الغفران !