تتأصل صورة الراعي بجذورها في الكتاب المقدس، كما تتأصل صورة الأم. فهل من علاقة بين الأم والراعي ؟
لنقرأ يوحنا 10ولنتأمل في صورة الراعي :
الخراف تصغي إلى صوته، والطفل منذ ولادته يعرف صوت أمه، فيرتاح لسماعها، ويسكت عندما تنشد له فينام قرير العين.
الراعي الصالح يبذل نفسه في سبيل الخراف، والأم مستعدة دائماً، لبذل ذاتها في سبيل أولادها. وهناك مليارات الحكايات والقصص على عطاء الأم لأولادها . سعادتها لا تتحقق إلا في رؤية أبنائها أصحاء وناجحين . إنها جاهزة على الدوام للعطاء دون تفكير أو حساب.
أما الأجير فهو ليس براعٍ . وزوجة الأب أو المربية أو الخادمة ليست كالأم.... يهربن عند أول صعوبة ، تاركاتٍ الأولاد للذئب.
الراعي الصالح يعرف خرافه وخرافه تعرفه . والأم تعرف أولادها حقاً . تعرف حاجات كلٍ منهم .تعرف ضيقه وسروره . من سيمائه ومن نظرة واحدة تشعر ما يشعر به. تفرح لفرحه وتحزن لحزنه , سعادتها من سعادته . ورجاؤها أن تراه ينمو أمامها ناجحاً صحيح الجسم والعقل. ومال الدنيا كلها لا يعوضها عن ظِفرٍ من أظافره.
وكما يحمل الراعي الحمل بذراعه، هكذا تحمل الأم ابنها، تحمله وهو رضيع لتضمه إلى صدرها فيرتاح ويشعر بالأمان، وتحمله وهو كبير في قلبها وفي صلواتها له.
يبحث الراعي على الخروف الضال. كذلك يتدفق حب الأم وحنانها إذا شطّ ابن من أبنائها. يصبح هذا الولد همّها دون أن تنسى باقي الأبناء. بحثها عنه لا يكل ولا يمل حتى تجده. كم من أم جحد بها ولدها ، فصار رجاؤها بعودته إليها ورؤيته سالماً . إنها مثل الرب، رجاؤه أن نعود إليه، فلا عجب إن شبّه البعض الله بالأم.
ومن ناحية أخرى فالأم قادرة دائماً على جمع شمل أولادها . فعندما يكبرون ويذهب كل منهم في طريقه، تظل هي السبب الوحيد الذي يجتمعون حوله في المناسبات والأعياد.... يقول الكتاب : سأضرب الراعي فتتبدد الخراف . عندما ترحل الأم..... يتبدد الأولاد .
إن نص الراعي الصالح يقدم لنا صورة المسيح الراعي ابن الله الكاشف لذويه محبة ووجه الآب. والأم المؤمنة تكشف لأبنائها محبة الله من خلال سيرتها وحياتها، تُعطي أولادها مبادئ الإيمان وحب يسوع، وتعرفهم على الرب وعلى خلاصه. إنها تقودهم إلى الباب الحقيقي الذي يدخلون منه إلى الملكوت.الأم المؤمنة تربي أولادها على الحب وعلى الاتحاد مع الله والقريب. إنها تُسلمهم إلى الرب الراعي الصالح، ليقودهم إلى ينابيع الحياة.
إن الحديث على الأم، يقودنا إلى مريم العذراء،أم الكل،وملجأنا جميعاً في الضيقات والشدائد.هي أيضاً الراعي الصالح.لأنها تسهر علينا جميعاً وتتشفع لنا على الدوام.لذا فإن إكرامها في عيد الأم واجب وحق.
مريم العذراء هي رمز الكنيسة الأم،التي ترعانا وتسهر على خلاصنا من خلال منحنا الأسرار المقدسة.فنتغذى بها وننمو فيها،أعضاء أحياء في الجماعة المسيحانية .
أخيراً...لم أكتب هذه المقالة من فراغ.لقد أوحتها لي أمي الحبيبة،والتي أفتقدها منذ ثماني سنوات........
ماما:أعرف أنك تسمعينني،لذلك أعيدك وأرسل لك قبلة الابن المحب.كنتِ الملح الذي ذاب لأجلنا.قدمتِ ذاتك لنا دون مقابل.إنني أفتقد صوتك وصدرك الحنون الذي يا ما سندت رأسي إليه لأشعر بالراحة والأمان. افتقد رائحتك العطرة. كلماتك الأخيرة لي ما زالت تطنّ في أذني.كنت تعلمين أنك راحلة لذلك قلتيها لي، وأنا لم أفهمها.أمور كثيرة لم أفهمها إلا بعد رحيلك.كانت ثقتك بالافخارستيا كبيرة. الخمسة عشر سنة الأخيرة من حياتك، شاركت فيها كل صباح بالافخارستيا.هذه الحتوتة صارت عزاءنا فيك. يوم وفاتك قيل لنا : لا تحزنوا ، أمكم قديسة ، لأن/15/سنة مثابرة يومية مع الافخارستيا لن تذهب هباء. ....وفي قداس الأربعين قال الواعظ في عظته: هذه الأم قدمت ولد من أولادها ليكرس ذاته للرب....إنها الراعي الصالح .