وقفتُ في الساحةِ الرئيسية أنظرُ حزيناً يائساً إلى شبابِ المستقبل بثيابهم المضحكة،ومناظرهم السخيفة، وسطحيتهم المرعبة.
قلت في نفسي: الموتُ لكم..
وقبل أن أكملَ طريقي مرت عيناي على شخصٍ مألوف.. التـفتتُ.. آه.. إني أعرفه جيداً..
وهجمَ شريطُ الذكريات كوحشٍ كاسر ومرَ بلحظاتٍ معدودة..
منذ قرون.. عاشَ داخلي.. وماتَ داخلي.. وهو الآن هنا ليتابع حياتهُ الحقيرة خارجاً عني.
لا أذكر سوى أني أحببتهُ كما لم أحبْ أحداً قط.. به عرفتُ الحب.. عرفتُ مَن أنا ولماذا أنا هنا..
أحببتهُ لمنظرهِ.. لصوتهِ.. لثيابهِ.. لموسيقاهُ التي أكرهها.. لقساوتهِ.. لتفكيرهِ.. لمشاكلهِ..
كنتُ أحلمُ به..أفكرُ به..أتخلى عن الجميع من أجله..أموتُ فداءً عنه.. أصبحَت مشاكلهُ مشاكلي..وعِشتُ حياته..
بعدَ أن ننـتهي من محادثتنا الهاتفية بعد منتصفِ الليل بساعات. وبعد أن يقفلُ السماعة.كنت أرسلُ إليهِ قبلةً عبر الأسلاك.
لكنها يوماً ما لم تصل..لأنَ الطرفَ الآخر كان مغلقاً..
فلا يرى ولا يسمع... ولا يتكلم.
كان المفضل لدي..كانَ فوقَ حياتي كُلِها..كانَ فوقَ صلاتي.. فوقَ أبي وأمي.. فوق عائلتي.. فوق صديقتي التي أحبتني من صميمها.. فوقَ أصدقائي.. فوقَ دراستي.. فوقَ مواهبي وهواياتي.. فوقَ كلِ شيء..
ويا ليتَ أحداً يفهم.. ويا ليتهُ يفهم..أني أحبه..
فيوماً ما لم أسمع منه كلمةً تدلُ على أي شيءٍ من داخله..كانَ صامتاً.. وكأني خيالٌ أمامه.. لكم تمنيت أن يبادلني بشيءٍ.. بشعورٍ.. بعطفٍ أو محبة.. كانَ عندما يسمعُ مشاكلي يغتاظُ ويعلنُ أن مشاكلهُ أخطر..وعندما أطلبُ منه رجاءً يرفض خوفاً على رجولته المزيفة.. لا يحبُ أن يسمعني.. ويحبُ أن أسمعه.. لا يحبُ أن آخذَ منه.. ويحبُ أن أعطيه..
ومع ذلكَ آمنتُ به.. وبشخصهِ..أملاً في أنه سينقلبُ يوماً ما.. بقيت على عطائي ومحبتي..بقي على انطوائه وأنانيته..
وبقي لا يرى لا يسمع.. ولا يتكلم.
مرةً.. اخـتلفنا … أدارَ ظهرهُ وقال: لا أحبكَ..لا أحبكَ..أنتَ لاشيء بالنسبة لي.. أنتَ لا تعني لي بشيء..
..قـتلني.. وكانت هذهِ آخرُ مرةٍ أراهُ فيها..
الآن وبعدَ عدةِ قرون..خلالها مَزَقَني الألمُ والشوق، الحبُ والفراقُ شَتَـتاني.. رأيتهُ في الساحةِ الرئيسية حيثُ تعرفتُ عليه أولَ مرةٍ.
ابتسمتُ..
نظرَ إليّ باحتقار..
وتابعَ طريقه