في مقابلة أجراها المذيع فايز مقدسي في راديو مونت كارلو وضمن برنامج ليالي شرقية مع الأخ الموسيقي الدكتور جورج باشورة المربّي في جمعية التعليم المسيحي بحلب، والتي دارت حول موضوع الموسيقى الفولكلورية لبلدان حوض المتوسط، سلّط الدكتور جورج الأضواء على جوانب من موسيقانا الفولكلورية تكاد تكون مجهولة لكثير من الناس ، وفيما يلي مقتطفات من هذه المقابلة.
مقدّمـة
تشتهر موسيقى بلاد حوض البحر الأبيض المتوسط بالتعلق الشديد بالأرض والطبيعة بسبب نوعية الحياة الزراعية وعمق العلاقات الاجتماعية بين أفرادها, الأمر الذي لوّنَ موسيقاها بألوان مشتركة ومحبّبة.
وسنذكر في هذا البرنامج بعض الشروحات لبعض التسميات التي قد نسمعها تكراراً دون أن نفهم معناها الصحيح.
ونستهلّ اللقاء بالصيحه المشهورة في الأفراح:
الله يساوى ضُوص ضُوص/ جيشنا تبورخ منين/ حابيبا هي
والتفسير هو:
الله يساوى ضُوص ضُوص: الله يجمع ويوفّق ويُسهِّل (أصل سرياني)
جيشنا تبورخ منين (أو جيشنا رابي) أو معربةً (جيشنا بروك منيح): ربي يحمي جيشنا ويُكثِّره ويباركه (أصل سرياني)
حابيبا هي: فَلْنفرح ونُهلّل يا أحباءنا.
وتنتهي هذه الصيحه بالزغاريد هللللللي. أما تفسيرها فهو كلمة هللويا السريانية أي لنفرح و نُهلل.
وعموماً فإنّ النساء يتفنّن بإتقان هذا النوع من الأداء المحبب للزغاريد.
وعموماً تتمّ الإجابة على هذه الصيحه بجمله ثلاثية أخرى معرَّبة وهي: (صلّوا على عيسى، أوصلوا على محمد) ضُوص ضُوص/وَيَلّي يعادينا/ الله عليه.
وبجمله ثلاثية أُخرى: زين زين مكحول العين/ وَيَلي يعادينا/ الله عليه
وتنتهي دوماً هذه الصيحه بالزغاريد هللللللي.
رقصة الدبكة
هي رقص جماعي مُنظّم يؤديه الشبان والفتيات، ترافقه الموسيقى الإيقاعية بواسطة الطبل والمزمار.
أمّا أصل كلمة دبكة فيُعتقد أنّه يعود إلى كلمة: دَبَّ أي مشى أو سعى كالحية, حيث يقوم الراقصون بالتقدّم إلى الأمام والرجوع إلى الخلف والقفز إلى الأعلى والأسفل تشبيها بحركة الحيه التي تحاول الانقضاض على فريستها. كما يُعتقد أنّ لكلمة دبكه أصلاً فارسياً معناه (دبّ = كرّ و فرّ والكاف للتصغير) أي أنّ هذه الرقصة تشبه معركة صغيرة يتبارى فيها الشبان بالسيوف أو بالعصي وبالتروس إظهاراً لرشاقتهم وفروسيتهم أمام الفتيات بهدف نيل إعجابهنّ. كذلك الأمر, فإنّ الفتيات يؤدّين الحركات المختلفة من دون أسلحة على الأغلب بهدف إظهار رشاقتهنّ وجاذبيتهنّ أمام الشبان. وغالباً يترأس شاب يُدعى قائد الدبكة مجموعة الراقصين، ويقوم بتوجيه مسارهم أو يقوم بحركات جديدة كي يقلدها الراقصون.
وأخيراً, يجب ألاّ ننسى دور رقصة الدبكه في التعارف بين الشبان والفتيات, حيث تتشابك الأيادي وتتدافع الأجساد وتتناغم الصيحات بين الراقصين, فيتمّ التفاهم غير العلني حيث تتلاقى النظرات والابتسامات، وغالباً ما تنتهي الأفراح لتبدأ أفراح وزيجات جديدة يعود الفضل فيها بالطبع إلى...رقصة الدبكه.
العتابا و الميجَنا
زجل شائع في سوريا ولبنان، يتضمّن كلمات معاتبه للحبيب المهاجر البعيد، وذِكْراً لعمق الآلام التي يعانيها الأهل والأحبه في أرض الوطن نتيجة الفراق. وكما نعرف, فإنّ بلادنا عانت الكثير من النكبات والويلات كالاستعمار الأجنبي والمجاعات والحروب, الأمر الذي دفع العديد من شباب الوطن إلى الاغتراب بهدف تحسين الوضع الاقتصادى والشعور ببعض الأمان, فعمل ذلك على تكوين الجاليات العربية في المهجر، والتي بقيت على اتصال مستمر بالوطن الأم. وهكذا ظهر هذا الضرب من الغناء الذى هو بالأصل عتاب على الأبناء والأحباب يحثّهم على العودة إلى أرض الوطن. وقد يتساءل البعض هنا عن معنى كلمه (الميجَنا), ويُعتقَد أنها من أصل كلمة (المِجنّ) العربية. وهي أداة تُستعمل لدقِّ الحبوب، وتُدعى أيضا في أيامنا "بالهاون". ونذكر هنا للتوضيح المقولة العربية: "قَلَب له الزمن ظهر المجن" أي أن الدهر انقلب على ذاك الإنسان فساءت أحواله وأصبح يُطحَن بهموم الحياة بعد أن ذاق رَغَد العيش في الماضي. وهذا وصف لحال الأهل والأحبه وعذابهم الشديد لألم فراق المحبوب وهجرته لهم.
ويجدر بنا فى هذا المجال أنّ نوضح أن المجنّ هو حجر اسطواني الشكل كان يستعمل قديما فى رص الأسقف في الأرياف والتي كانت تُصنَع من(اللبن) وهو الطين الممزوج بالتبن و روث البقر، وكان المجن يستعمل لرصّ الأسقف في أثناء تحضيرها لإفراغها من الفقاعات الهوائيه فلا تعود هشه وسريعة التفتت فتسقط على رؤوس أهلها.
ونذكر أيضا أن الرصّ كان يتمّ بشكل مبدئي بواسطة الأرجل حيث يقوم الرجال والنساء بدكِّ الأسقف بأرجلهم تماما كما كانوا يفعلون وقت الحصاد, حيث تُدرس السنابل المحصودة يدوياً.الأمر الذي أدى إلى تطوير إيقاعات الدبكة وإبداع الكثير من أنماط الغناء كالدلعونه واللوما وغيرها.