كان على جورج و يوستينا أن يتركا ابنتهما
الصغيرة ماريا البالغة من العمر ثلاثة أعوام و نصف وحدها من الساعة العاشرة
صباحاً إلى الساعة الثانية عشر ظهراً يوم الجمعة ليقوما بخدمة الأفتقاد حيث s
كانا هاذين الزوجين يعيشان معاً حياة أساسها و هدفها المسيح ، كل ما يشغلهما
هو كيف يجعلان السيد المسيح فرحاً.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يتركا ماريا وحدها ، فقد إعتادا أن يتركا ماريا
عند آن أخت يوستينا و التي تسكن بنفس العمارة و لكن بسبب سفر آن إلى كندا لم
يجدا حلاً غير ترك ماريا وحدها.
كانت الأم يوستينا خائفة و لكن جورج الأب طلب منها أن يدخلا إلى غرفة الصلاة
(بعض الأسر المسيحية تخصص حجرة بالمنزل للصلاة) و يستشيرا الرب حيث أنه من
المستحيل أخذ الطفلة معهما في إفتقاد المرضى و المعاقين و الفقراء خوفاً عليها
من أن تؤثر هذه المشاهد
في نفسية الطفلة التي لا تحتمل أن ترى إنسان يتألم.
دخل جورج و يوستينا غرفة الصلاة و بدءا بالترنيم ثم الصلاة و بعد ذلك بدءا في
قراءة الكتاب المقدس و قد كان ترتيب القراءة اليومية للصباح على سفر أشعياء
النبي من الإصحاح التاسع والأربعين إلى الإصحاح الثاني و الخمسون ، وعند الآية
الخامسة عشر من الإصحاح التاسع و الأربعين وجدا هذا الوعد
(هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم إبن بطنها حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك (اش
49 : 15) ،
وعند قراءة هذه الآية إنهمرت الدموع من عينا جورج و يوستينا ... بدءا يشكران
الرب على عظم حبه وعطفه ورفعا صلاة شكر للرب الحنون على عظم محبته و تفهمه
للضعف البشري .
و بدءا الأب و الأم في الأستعداد للنزول ، وقامت يوستينا بتجهيز أفلام الكرتون
للطفلتها المحبوبة فقد كانت ماريا تعشق
أفلام الكرتون وبالأخص أفلام المغامرون الصغار ، وقد وضع جورج جهاز الفيديو
على إرتفاع منخفض بحيث يكون في متناول ماريا أن تضع أفلام الكرتون التي تحبها
و تشاهدها على التلفاز بسهولة ، فقد كانت ماريا طفلة في غاية الذكاء وكان جورج
يريد أن يعلمها أن تعتمد على نفسها في هذا السن المبكر.
لقد كان قلب جورج و يوستينا في غاية الإطمئنان فلقد شعرا بأن ماريا في يد خالق
الكون ، فمن ذا الذي يستطيع أن يؤذي طفلتهما ... خرج الأب والأم بعد أن طلبا
من ماريا أن تكون هادءة . فأكدت لهم الطفلة أنها سوف تكون هادئة و مطيعة فقال
لها جورج سوف أجلب لك صورة لبابا يسوع بينما وعدتها يوستينا بأنها سوف تجلب
لها صورة لماما العدرا . و بالفعل خرجا الأب و الأم في تمام العاشرة صباحاً.
وبمجرد خروجهما إتجهت ماريا إلى الفيديو لتقوم بتشغيل فيلم من أفلام الكرتون
ولكن شد انتباها فيلم حياة يسوع .. ولقد إعتاد جورج ويوستينا أن يقوما بتشغيل
جزء من حياة يسوع لطفلتهما ماريا باستمرار وهذا الجزء يشمل ميلاد يسوع و بعض
معجزاته إلا أنه عند
بدأ تسليم السيد الرب وآلامه كان يوقفان الفيلم حتى لا تتأثر طفلتهما الصغيرة
بمناظر الصلب ، ويبدو أن يوستيا الأم من كثرة ارتباكها قد نسيت أن تضع فيلم
حياة يسوع في الطابق العلوي للمكتبة.. ، ...
قبلت الطفلة صورة الرب يسوع ووضعت الفيلم في الفيديو متوقعة أن تشاهد الجزء
الذي اعتادت عليه. ولكن هذه المرة إختلف الوضع فلقد بدأ الفيلم من حيث ينتهي
كل مرة حيث لم يقم الأب أو الأم بترجيع الفيلم من البداية.. وكانت علامات
الدهشه على وجه ماريا فلقد شاهدت هذا الفيلم عشرات المرات بل وحفظته عن ظهر
قلبها إلا أنها لم تكن قد شاهدت هذا الجزء... في البداية كان الجزء الخاص
بالعشاء الرباني و بخيانة يهوذا وبالطبع لم تفهمه ماريا ثم ذهاب الرب يسوع إلى
بستان جسيماني و بكاءه وحزنه عندئذ بدأت ماريا تتأثر ... ثم مجئ يهوذا و
تسليمه للسيد المسيح و إستهزاء الجند برب المجد ، .. بدأت الطفلة تبكي بصوت
مرتفع وهي تشاهد رب المجد يُضرب و يُلطم و يُبصق على وجه وكانت تصرخ قائلة
(بابا يسوع حبيبي . بابا يسوع . حرام عليكم) .. ، وعند
مشاهد الجلد كانت تبكي بحرقة و كانت تردد بصوت متقطع (بيضربوا بابا يسوع) ...
أما في مشاهد الصلب لم تستطع الطفلة أن تنطق بكلمة ولكنها كانت في ذهول !!! ..
تبكي بحرقة وكادت أن تفقد وعيها بالعالم الخارجي لولا أن الرب يسوع منع حدوث
ذلك... ، وعلى الصليب اتجهت الطفلة إلى التلفاز وبدأت تقبل وجه المسيح والدموع
تنهمر من عينيها ... مرت الفترة من موت السيد المسيح إلى قيامته سريعة على
ماريا فلم تكن تعى أى شئ بل كانت تردد بداخلها كلمتين فقط (بابا يسوع .. بابا
يسوع) .. ولكن عند أول ظهور للسيد المسيح بعد القيامة بدأت الحياة تدب في
ماريا ، فلقد شاهدته وهو سليم خالياً من الدماء والجروح ... لم تفهم ماذا يحدث
ولكن الأمل بدأ يدب في الطفلة بأن حبيب قلبها بابا يسوع بخير ... وفجأة حدث شئ
في هذا الفيلم يختلف عن أى نسخة أخرى فعند ظهور السيد المسيح لتلاميذه في
العليا لم يتجه إليهم بل إتجه خارج شاشة التلفاز إلى ماريا .. !! في البداية
اضطربت الطفلة ولكن رب المجد أدخل في قلبها الطمأنينة و قال لها (لا تخافي يا
حبيبتي ماريا